الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآية رقم (92): {وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92)}قوله تعالى: {وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ} اللام لام القسم. والبينات قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ} وهي العصا، والسنون، واليد، والدم، والطوفان، والجراد والقمل، والضفادع، وفلق البحر.وقيل: البينات التوراة، وما فيها من الدلالات.قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} توبيخ، وثم أبلغ من الواو في التقريع، أي بعد النظر في الآيات، أو الإتيان بها اتخذتم. وهذا يدل على أنهم إنما فعلوا ذلك بعد مهلة من..تفسير الآية رقم (93): {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا} تقدم الكلام في هذا ومعنى: {اسْمَعُوا} أطيعوا، وليس معناه الامر بإدراك القول فقط، وإنما المراد اعملوا بما سمعتم والتزموه، ومنه قولهم: سمع الله لمن حمده، أي قبل وأجاب. قال:أي يقبل، وقال الراجز: {قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا} اختلف هل صدر منهم هذا اللفظ حقيقة باللسان نطقا، أو يكونوا فعلوا فعلا قام مقام القول فيكون مجازا، كما قال: وهذا احتجاج عليهم في قولهم: {نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا}.قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حب العجل. والمعنى: جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم.وفي الحديث: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء» الحديث، خرجه مسلم. يقال أشرب قلبه حب كذا، قال زهير: وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لان شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها، والطعام مجاور لها غير متغلغل فيها. وقد زاد على هذا المعنى أحد التابعين فقال في زوجته عثمة، وكان عتب عليها في بعض الامر فطلقها وكان محبا لها: وقال السدي وابن جريج: إن موسى عليه السلام برد العجل وذراه في الماء، وقال لبني إسرائيل: اشربوا من ذلك الماء، فشرب جميعهم، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه. وروي أنه ما شربه أحد إلا جن، حكاه القشيري.قلت: أما تذريته في البحر فقد دل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} وأما شرب الماء وظهور البرادة على الشفاه فيرده قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}. والله تعالى أعلم.قوله تعالى: {قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ} أي إيمانكم الذي زعمتم في قولكم: {نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا}.وقيل: إن هذا الكلام خطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمر أن يوبخهم، أي قل لهم يا محمد: بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم. وقد مضى الكلام في: {بِئْسَما} والحمد لله وحده. .تفسير الآيات (94- 95): {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}لما ادعت اليهود دعاوي باطلة حكاها الله عز وجل عنهم في كتابه، كقوله تعالى: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً}، وقوله: {وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى}، وقالوا: {نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} أكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال قل لهم يا محمد: {إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ} يعني الجنة. {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} في أقوالكم، لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا، لما يصير إليه من نعيم الجنة، ويزول عنه من أذى الدنيا، فأحجموا عن تمنى ذلك فرقا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكفرهم في قولهم: {نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}، وحرصهم على الدنيا، ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم بقوله الحق: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} تحقيقا لكذبهم. وأيضا لو تمنوا الموت لماتوا، كما روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقامهم من النار».وقيل: إن الله صرفهم عن إظهار التمني، وقصرهم على الإمساك ليجعل ذلك آية لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذه ثلاثة أوجه في تركهم التمني.وحكى عكرمة عن ابن عباس في قوله: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} أن المراد ادعوا بالموت على أكذب الفريقين منا ومنكم: فما دعوا لعلمهم بكذبهم. فإن قيل: فالتمني يكون باللسان تارة وبالقلب أخرى، فمن أين علم أنهم لم يتمنوه بقلوبهم؟ قيل له: نطق القرآن بذلك بقوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} ولو تمنوه بقلوبهم لاظهروه بألسنتهم ردا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإبطالا لحجته، وهذا بين.قوله تعالى: {خالِصَةً} نصب على خبر كان، وإن شئت كان حالا، ويكون {عِنْدَ اللَّهِ} في موضع الخبر. {أَبَداً} ظرف زمان يقع على القليل والكثير، كالحين والوقت، وهو هنا من أول العمر إلى الموت. و{ما} في قوله: {بِما} بمعنى الذي والعائد محذوف، والتقدير قدمته، وتكون مصدرية ولا تحتاج إلى عائد. و{أَيْدِيهِمْ} في موضع رفع، حذفت الضمة من الياء لثقلها مع الكسرة، وإن كانت في موضع نصب حركتها، لأن النصب خفيف، ويجوز إسكانها في الشعر. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} ابتداء وخبر..تفسير الآية رقم (96): {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96)}قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ} يعني اليهود. {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} قيل: المعنى وأحرص، فحذف {مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} لمعرفتهم بذنوبهم وألا خير لهم عند الله، ومشركو العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة ولا علم لهم من الآخرة، ألا ترى قول شاعرهم:والضمير في: {أَحَدُهُمْ} يعود في هذا القول على اليهود.وقيل: إن الكلام تم في: {حَياةٍ} ثم استؤنف الاخبار عن طائفة من المشركين. قيل: هم المجوس، وذلك بين في أدعياتهم للعاطس بلغاتهم بما معناه عش ألف سنة. وخص الألف بالذكر لأنها نهاية العقد في الحساب. وذهب الحسن إلى أن {الَّذِينَ أَشْرَكُوا} مشركو العرب، خصوا بذلك لأنهم لا يؤمنون بالبعث، فهم يتمنون طول العمر. واصل سنة سنهة.وقيل: سنوة.وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة.قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} أصل {يود} يودد، أدغمت لئلا يجمع بين حرفين من جنس واحد متحركين، وقلبت حركة الدال على الواو، ليدل ذلك على أنه يفعل.وحكى الكسائي: وددت، فيجوز على هذا يود بكسر الواو. ومعنى يود: يتمنى.قوله تعالى: {وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ} اختلف النحاة في هو، فقيل: هو ضمير الأحد المتقدم، التقدير ما أحدهم بمزحزحه، وخبر الابتداء في المجرور. {أَنْ يُعَمَّرَ} فاعل بمزحزح وقالت فرقة: هو ضمير التعمير، والتقدير وما التعمير بمزحزحه، والخبر في المجرور، {أَنْ يُعَمَّرَ} بدل من التعمير على هذا القول.وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: هو عماد.قلت: وفيه بعد، فإن حق العماد أن يكون بين شيئين متلازمين، مثل قوله: {إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ}، وقوله: {وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} ونحو ذلك.وقيل: {ما} عاملة حجازية، و{هُوَ} اسمها، والخبر في: {بِمُزَحْزِحِهِ}. وقالت طائفة: {هُوَ} ضمير الامر والشأن. ابن عطية: وفيه بعد، فإن المحفوظ عن النحاة أن يفسر بجملة سالمة من حرف جر. وقوله: {بِمُزَحْزِحِهِ} الزحزحة: الابعاد والتنحية، يقال: زحزحته أي باعدته فتزحزح أي تنحى وتباعد، يكون لازما ومتعديا، قال الشاعر في المتعدي: وأنشده ذو الرمة: وقال آخر في اللازم: وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من صام يوما في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفا».قوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ} أي بما يعمل هؤلاء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة. ومن قرأ بالتاء فالتقدير عنده. قل لهم يا محمد الله بصير بما تعملون.وقال العلماء: وصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الأمور. والبصير في كلام العرب: العالم بالشيء الخبير به، ومنه قولهم: فلان بصير بالطب، وبصير بالفقه، وبصير بملاقاة الرجال، قال: قال الخطابي: البصير العالم، والبصير المبصر.وقيل: وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى جاعل الأشياء المبصرة ذوات إبصار، أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الآلة المدركة والقوة، فالله بصير بعباده، أي جاعل عباده مبصرين. .تفسير الآية رقم (97): {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال: «جبريل» قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا! لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك، فأنزل الله الآية إلى قوله: {لِلْكافِرِينَ} أخرجه الترمذي. وقوله تعالى: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ} الضمير في: {إنه} يحتمل معنيين، الأول: فإن الله نزل جبريل على قلبك.الثاني: فإن جبريل نزل بالقرآن على قلبك. وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف. ودلت الآية على شرف جبريل عليه السلام وذم معاديه. وقوله تعالى: {بِإِذْنِ اللَّهِ} أي بإرادته وعلمه. {مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني التوراة. {وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ} تقدم معناه، والحمد لله..تفسير الآية رقم (98): {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98)}قوله تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ} شرط، وجوابه {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ}. وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام، وإعلان أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم. وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته، ومعادات أوليائه. وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه. فإن قيل: لم خص الله جبريل وميكائيل بالذكر وإن كان ذكر الملائكة قد عمهما؟ قيل له: خصهما بالذكر تشريفا لهما، كما قال: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}.وقيل: خصا لان اليهود ذكروهما، ونزلت الآية بسببهما، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود: إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته، فنص الله تعالى عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص. ولعلماء اللسان في جبريل وميكائيل عليهما السلام لغات، فأما التي في جبريل فعشر: الأولى: لِجِبْرِيلَ، وهي لغة أهل الحجاز، قال حسان بن ثابت:الثانية: جبريل بفتح الجيم وهي قراءة الحسن وابن كثير، وروي عن ابن كثير أنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم وهو يقرأ جبريل وميكائيل فلا أزال أقرؤهما أبدا كذلك.الثالثة: جبرئيل بياء بعد الهمزة، مثال جبرعيل، كما قرأ أهل الكوفة، وأنشدوا: وهي لغة تميم وقيس.الرابعة: جبرئل على وزن جبرعل مقصور، وهي قراءة أبي بكر عن عاصم.الخامسة: مثلها، وهي قراءة يحيى بن يعمر، إلا أنه شدد اللام.السادسة: جبرائل بألف بعد الراء ثم همزة وبها قرأ عكرمة.السابعة: مثلها، إلا أن بعد الهمزة ياء.الثامنة: جبرئيل بياءين بغير همزة وبها قرأ الأعمش ويحيى بن يعمر أيضا.التاسعة: جبرئين بفتح الجيم مع همزة مكسورة بعدها ياء ونون.العاشرة: جبرين بكسر الجيم وتسكين الياء بنون من غير همزة وهي لغة بني أسد. قال الطبري: ولم يقرأ بها. قال النحاس- وذكر قراءة ابن كثير-: لا يعرف في كلام العرب فعليل، وفيه فعليل، نحو دهليز وقطمير وبرطيل، وليس ينكر أن يكون في كلام العجم ما ليس له نظير في كلام العرب، وليس ينكر أن يكثر تغيره، كما قالوا: إبراهيم وإبرهم وإبراهم وإبراهام.قال غيره: جبريل اسم أعجمي عربته العرب، فلها فيه هذه اللغات ولذلك لم ينصرف.قلت: قد تقدم في أول الكتاب أن الصحيح في هذه الألفاظ عربية نزل بها جبريل بلسان عربي مبين. قال النحاس: ويجمع جبريل على التكسير جباريل. وأما اللغات التي في ميكائيل فست: الأولى: ميكائيل، قراءة نافع. وميكائيل بياء بعد الهمزة قراءة حمزة. مِيكالَ، لغة أهل الحجاز، وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم. وروي عن ابن كثير الثلاثة أوجه، قال كعب بن مالك: وقال آخر: الرابعة ميكئيل، مثل ميكعيل، وهي قراءة ابن محيصن.الخامسة: ميكاييل بياءين وهي قراءة الأعمش باختلاف عنه.السادسة: ميكاءل، كما يقال إسراءل بهمزة مفتوحة، وهو اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف.وذكر ابن عباس أن جبر وميكا وإسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى: عبد ومملوك. وائل: اسم الله تعالى، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع سجع مسيلمة: هذا كلام لم يخرج من إل، وفي التنزيل: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} في أحد التأويلين، وسيأتي. قال المارودي: إن جبريل وميكائيل اسمان، أحدهما عبد الله، والآخر عبيد الله، لأن إيل هو الله تعالى، وجبر هو عبد، وميكا هو عبيد، فكأن جبريل عبد الله، وميكائيل عبيد الله، هذا قول ابن عباس، وليس له في المفسرين مخالف.قلت: وزاد بعض المفسرين: وإسرافيل عبد الرحمن. قال النحاس: ومن تأول الحديث جبر عبد، وإل الله وجب عليه أن يقول: هذا جبرئل ورأيت جبرئل ومررت بجبريل، وهذا لا يقال، فوجب أن يكون معنى الحديث أنه مسمى بهذا. قال غيره: ولو كان كما قالوا لكان مصروفا، فترك الصرف يدل على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف.وروى عبد الغني الحافظ من حديث أفلت بن خليفة- وهو فليت العامري وهو أبو حسان- عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم رب جبريل وميكائل وإسرافيل أعوذ بك من حر النار وعذاب القبر».
|